لماذا وكيف يثور شباب “30 سَنَة لِتِحْت” في السودان؟

03-06-2019 02:18 PM
د. عصام محجوب الماحي

بعد صراعات ومجاعات.. رواندا تطلق أول قمر صناعي لتوفير الإنترنت مجانا لمواطنيها.

بعد عقدين من تجاوز محنة الحروب الأهلية والنزوح وجرائم الاغتصاب، ورغم صغر المساحة وارتفاع الكثافة السكانية، تواصل رواندا مسيرة التنمية، وتطلق أول قمر صناعي في تاريخها لربط مدارسها ومناطقها الحضارية بالإنترنت المجاني.

(نقلا عن المواقع اليوم الثلاثاء 5 مارس 2019 وادناه رابط فيديو قصير مترجم للتطورات في رواندا)

لماذا وكيف يثور شباب “30 سنة لِتِحْت” في السودان؟

لأنهم بمتابعتهم لما يجري حولهم أيقنوا أنهم يستطيعون أن يعيشوا في مستقبل أفضل، فقط عليهم أن يحلموا به ويعملوا له. عليهم أن يؤمنوا بتعويذتين يرددونها في الصحيان وليس مع المنام:

We Have a Dream.

We Can Do It!

أي نعم.. لدينا أحلام.. ونستطيع أن نفعل ذلك.

بعدها عليهم أن يختاروا ماذا يريدون، وقد اختاروا ولا رجعة لهم من الطريق الذي بدأوا السير في مشواره بخطوةٍ أولى هي الاساسية وبعدها ستأتي كل الخطوات فيكتمل مشوار الالف خطوة، والعدد مجازا وليس حصرا.

الشاهد أن المَعْرِفة شاركت مشاركة أساسية وقوية في تربيتهم بالمعلومات التي توفرت لهم من جهاز ذكي في كفِ اليدِ، وضَعَ لهم كلما يحدث في كل الدنيا بين أيديهم وقريبا من عقولهم وعلى متناول “كليك” واحد او “نَقْرَة” أصْبَع.

شاهَدوا ما يحدث في كل أركان العالم ودوله ومجتمعاته وقارنوه بما يحدث في بلدهم السودان ومجتمعهم.

شاهَدوا ما يحدث في إيران التي كانت في يوم ما تسير نحو العصر الاوربي فجعلها الاسلام السياسي تُعَظِم الطائفية والخلاف والاختلاف، فتتدحرج وتتراجع وتَمْسِك بها الازمات والحروب فتتبَدَد ثروة البلاد فيعُمّ الفقر ويسيطر على اغلب العباد وتعود إيران للعصور الوسطى بعد أن كانت تطرق أبواب اوروبا بالعلمِ والثقافة والحضارة والتطور والتنمية، برغم أخطاء نظام الامبراطور السابق الكثيرة.

يتابعون ما يحدث في دول التخلف والتمزق والحروب والقتل بالفَرّادي وبالجُمْلة ويعيشون في بلد يجري فيه ذات الشيء، وأسوأ.

تابعوا التغيير الذي يحدث في رواندا وفي الجارة اثيوبيا وفي غيرهما من الدول التي انطلقت من الحروب والدماء والاشلاء والاجساد والجثث المتفحمة ملقاة على قارعة الطريق لا تجد مَنْ يَقْبُرها، الى التنمية والرخاء والعمل والتعايش والتفاهم وصناعة المستقبل والجمال والحب والنظافة وصحة البيئة، وباختصار الحياة الكريمة.

صورة وصوت توفرت لهم إمكانية الاطلاع على التجربة الماليزية وعلى معجزة سنغافورة وعلى الانتقال في كوريا الجنوبية وبل اليابان كيف خرجت من الحرب العالمية الثانية وأصبحت ما اصبحت اليوم ناهيك عن تجربة المانيا وتطورها واستعادة وحدتها، والتغيير الجذري والتاريخي في دول المعسكر الشيوعي التي هزمت الانغلاق واختارت الانفتاح والحرية والديمقراطية.. وكل ذلك حدث ويحدث بالعلمانية بعيدا عن الدوغما والتَحجر في الأيدولوجيات المتطرفة، ويتحقق باحترام التنوع والتعدد العرقي والثقافي والديني، ويترسخ باعتماد التداول السلمي والديمقراطي للسلطة.

ان الجيل الذي بدأ في صناعة التغيير في السودان، جيل تربى على متابعة نتاج أفكار وحاصل العمل بأفكار ارتبطت بالعقل والمنطق، وواحد زايد واحد، والمُخْتَصَر المفيد، وهات من الأخِر.

أنه جيل شَبَّ وبيده يستطيع أن يجد الإجابة الصحيحة لأي سؤال حتى الديني، وعليه فقط أن يبحث عنها وأن يستعمل فطرته وعقله لأخذها معه أو تركها بعيدا عنه حتى لا تسمم عقله، وهو قطعا لا يبحث عنها في أفواه الناس فقط، وإن استمع إليهم فانه يأخذ ما يسمعه ويَعْمِل عقله فيه ويضَع ما يسْمَع في بوتقة المقارنة وتحت مِجْهر المقاربة.. ويبدو أنه حسم أمْرَه وقرر الابتعاد بالأخص من أولئك الذين يريدون أن يبيعوا له باسم الرَبِ ثقافة الموت بدلا من الحياة بدعوى أن يترك الدنيا للجنة، فاختار أن يحصل عليهما معا، أي أن يعْمَل عَمَل الجنة للآخرة بفهم صحيح للأديان وتعاليمها وحكمة الرسالات السماوية والفكر الانساني وأن يصنع جنته في الدنيا فيعَمِّر الارض كما يدعوه ربه وكما فعلت شعوب أخرى، وقرر بذلك أن ينتصر.. أن ينتصر على نفسه اولاً، وثانياً على الصعاب التي تواجهه وأخطرها وأهمها نظام الحكم الحالي في السودان والذين يحكمونه ويجعلونه محلَّك سِر بل يقودونه للوراء، للتراجع وللتدهور، لليأس ولأن لا يكون له حلم في غدٍ أفضل، ولأن يأخذ طريق البحار هروبا من بلده بحثا عن أوطان اخرى، فقرر أن يصارع النظام بدلا من مصارعة اسماك القِرْش التي حتما ستلتهمه ولكنه قد يَهْزِم النظام الباطش وينتصر عليه ويتحرر ويبدأ في بناء بلده ليبقى فيها، فلماذا يهْجُرها أو يهاجر منها وقد توفر له أن يأتي بما كان يريد الذهاب اليه هناك الى هنا، الى بلده السودان، أي أن يعيش حياة حُرَّة وكريمة.

تحية لهم وحتما سيتحقق للجيل الشاب النصر، فهو آتٍ عاجلاً وليس آجلاً.

عصام محجوب الماحي
isammahgoub@gmail.com

قد يعجبك ايضا