زهير السراج يكتب : الدولة والثورة !!
*لم يكن بيان قوى اعلان الحرية والتغيير أمس موفقاً من حيث الشكل والموضوع، ولا أريد هنا أن أكرر الحديث عن الشكل، فلقد وجد حظه من النقد، كما أن الزميل العزيز الصحفى (محمد الأمين) عضو تجمع المهنيين وشبكة الصحفيين نشر على حسابه في (الفيس بوك) إعتذارا عن الصورة التى تلى بها البيان، والسبب الذى شكلها وهو تاريخية اللحظة وتهيبه منها، خاصة أنه كان يتلو البيان أمام الملايين وأضواء أجهزة الاعلام المحلية والعالمية ما جعله يشعر بالارتباك، وهو سبب مقبول، كما أن الاعتذار مقبول أيضا، وليسمح لى الزميل العزيز أن أنصحه بعدم وضع نفسه في مواجهة مماثلة مستقبلا إن لم يكن يشعر بالإطمئنان، فالانسحاب أفضل من الظهور المرتبك، وذلك الى حين إمتلاك المقدرة الكافية والثقة في النفس لمخاطبة الجمهور !
*أما ما احتوى عليه البيان من قرار قوى اعلان الحرية والتغيير بتعليق التفاوض مع المجلس العسكرى واعتباره جزءا من النظام المخلوع، فأكرر قولى بأنه قرار خاطئ، ولا بد من التراجع عنه، ليس لأن (رأى) التجمع المهنى والقوى المتحالفة معه فى سلوك وتصرفات المجلس العسكرى وعدم وضوح مواقفه في كثير من المواقف، وبطئه وتخبطه في اتخاذ القرارات (خاطئ)، فلقد بدا واضحا في العشرة أيام الماضية منذ سقوط الرئيس المخلوع عدم تجاوب المجلس مع مطالب الثورة، وتعامله بميوعة واضحة مع الدولة العميقة الخبيثة، ومع مَن ارتكبوا أفدح الجرائم في حق الوطن والشعب، وعمليات الاعتقال التى تجرى ببطء شديد، وعدم الاعلان عن إسماء المعتقلين وأماكن إعتقالهم، وعدم إخضاع منازلهم ومقراتهم للتفتيش القانونى، والتحفظ على أموالهم بما يضمن عدم إخفائها ونقلها لأماكن مجهولة، وهى أموال مملوكة للشعب، فلم يكن غالبية الذين أثروا ثراءً فاحشا من زبانية النظام المخلوع يملكون شروى نقير قبل الولوج الى السلطة بانقلاب عسكرى في يونيو 1989 وتقويض الشرعية، وهى جريمة يعاقب عليها القانون توجب وضع كل من شاركوا فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، قيد الاعتقال الى حين مثولهم أمام العدالة، وفيهم للأسف من يجتمع المجلس العسكرى معه الآن ويستشيره ويأخذ برأيه!!
*غير أن ذلك يبرر تعليق التفاوض الذى يتيح للمتربصين بثورة الشعب تحقيق أهدافهم الخبيثة في المراوغة والمماطلة وإعادة إنتاج النظام المخلوع، وتشكيل حكومة مدنية لا ترضى طموحات وتطلعات الشعب التى من أجلها ثار وقدم أعظم التضحيات خلال مسيرة نضاله الطويلة ضد الطغمة البائدة في الثلاثين عاما الماضية!!
*صحيح، هنالك ثلاثة أو اربعة من أعضاء المجلس العسكرى يدينون بالولاء للنظام المخلوع، ووضعوا منذ إختيارهم لعضوية المجلس الكثير من المتاريس والعقبات أمام تحقيق مطالب الثورة، ولكن بنفس القدر فهنالك أعضاء ينتمون للشعب وحريصون على ثورته وتحقيق مطالبه، ويمكن لهؤلاء بالتعاون مع قوى التغيير الوصول لكثير من التفاهمات المطلوبة التى تضع الفترة الإنتقالية في الطريق المطلوب، وتحقق تطلعات الشعب في الحرية والسلام والعدالة، وبالتالى فلقد كان من الخطأ تعليق التفاوض مع المجلس، ووضع الثوار تحت مظلة إنتظار نتائج القرار، والتخلى عن زمام المبادرة الذى كانوا يقبضون عليه بأيديهم ويشكلون به ضغطا كبيرا على المجلس العسكرى والقوى المضادة للثورة، بينما يفاوض ممثلوهم المجلس العسكرى !!
*لو كان لا بد من تعليق التفاوض، كان الأجدى أن يكون ذلك مع اللجنة السياسية فقط وليس كل المجلس العسكرى، كما جاء في تحليلات ومساهمات الكثيرين على منصات التواصل الاجتماعى وردهات وكواليس الكثير من القوى السياسية والأحزاب، بل إن بعضها كحزب الأمة القومى الذى يرأسه (الصادق المهدى) أفصح بشكل واضح أنه سيعمل بالتنسيق مع بقية قوى اعلان الحرية والتغيير على مواصلة التفاوض مع المجلس العسكرى للوصول الى صيغة الحكم المطلوبة خلال الفترة الإنتقالية والاتفاق على القضايا الأخرى، وهو موقف عقلانى يستحق التأييد، وإن كنت أخشى أن يكون مظهرا او علامة لبداية انشقاق بين قوى التحالف، الذى يريده المتربصون بالثورة وزبانية النظام المخلوع ومن يمالئهم ويعمل تحت إمرتهم في المجلس العسكرى الإنتقالى!!
*الثورة والدولة شيئان مختلفان تماما .. ومن يدير الثورة ربما لا يصلح لإدارة الدولة والعكس صحيح، والسياسة هى فن الممكن الذى يحتّم التدرج في إتخاذ القرارات والمواقف!!
الجريدة