أوجه الخطر المُحدِق بالأمن القومي السوداني والسفاح التشادي الحميرلاي حميدتي على أرضنا ومعادلات الخروج الآمن

06-18-2019 02:54 AM
حسين أحمد حسين

مقدمة

قال جلَّ من قائلٍ عليم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) “النساء 58”.

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: (إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غير أهلِهِ، فانتظر الساعة) “رواه البخاري”. وجاء في طريق الاسلام الإلكتروني شرحاً لهذا الحديث: “أنْ إذا صار الحفاةُ العراءُ رِعاءُ الشاءِ – وهم أهل الجهل والجفاء – رؤوسَ النَّاسِ وأصحابَ الثروةِ والأموال حتى يتطاولوا في البنيان، فإنَّه يفسدُ بذلك نظامُ الدينِ والدنيا”. … فَقُم يا أيُّها البرهان، وسلم السلطة إلي أهلها قبل فواتِ الأوان.

حيثيات

1- كوْن أنَّ هذا السفاح التشادي الجاهل الجافي المعتوه حميدتي قائداً لمرتزقةٍ من الصم البكم (الذين يتْبَعون لعدد من الدول كتشاد، النيجر، مالي، نايجيريا – عناصر بوكو حرام، وأفريقيا الوسطى وإرتريا؛ ويعرفون كلمتين إثنتين لا غير: “إقتلْ لا تقتلْ”؛ كما قال أحدهم) همَّهُ وهمَّهم المال السَّهْل؛ هذا الأمر جعل حياته (منذ أن كان لِصَّ إتان إلى صار لِصَّ خزائن السودان) وحياة مرتزقته كلها قائمة على القتل والسلب والنهب وانتهاك العروض؛ لا يهم أنَّه في المدينةِ أو في البادية. وهذا ما توثقُهُ له حروب الغدر (لا حروب المواجهات) التي اجترحتها له المنظومة الأمنية للنظام الساقط في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وفي الخرطوم (2013، 2018 و2019).

هذا الواقع بطبيعة الحال يشكِّل خطراً عظيماً على السِّلم الاجتماعي؛ أرواحاً وعروضاً وممتلكات، وانعدام الأمن والسلام والطمأنينة بين الناس كما هو جارٍ أمام أعيننا بشكلٍ يومي؛ وبشكل حصري يؤدِّي إلى مفسدة الدين والدنيا كما جاء بعاليه.

2- علماً بأنَّ المجموعات المكوِّنة لمرتزقة حميدتي تحوي بينها جماعات بوكو حرام وطوارق القذافي الإرهابيتين، فبذلك يكون السودان قد أكمل حصته من الإرهابيين من كلِّ الأجناس في العالم، بالقدر الذي يجعله بؤرة إرهاب متعدية الجنسية، وبه قابلية لتصديرها لكل العالم بحسب قوانين العرض والطلب؛ وليس اليمن عنَّا بِبَعيد.

3- هيمنة القبائل التي ينتمي إليها حميدتي في تشاد وتمددها في أرض السودان، ووجود عدد منهم في الحكومة التشادية (كأُولئك الذين يمدونه بالرجال (10 ألف منهم وصلوا الخرطوم قبيل المجزرة) ويرسمون له الخطط)، وسيطرة حميدتي وأسرته على مورِد ذهب السودان في جبل عامر واحتكاره بقوة السلاح لصالح هذه القبائل، وتناديه على أبناء قبيلته الذين في الخارج وهو يُمنيهم بشغل كل وظائف الدولة في السودان ليمنع بها الإضرابات السياسية، ينم كل ذلك عن تفكير اجتياحي للسودان ودولته وموارده الطبيعية والبشرية بواسطة التشاديين، الذين ربما تتخفَّى من ورائهم دولة تشاد نفسها، أو دولة إقليمية آوتْ ونصرتْ العديد من أبناء دارفور، أو دولة عُظمى عينها على بحيرة البترول والمعادن التي بين تشاد والسودان.

4- تمركز هؤلاء الهمج من مرتزقة حميدتي بالسودان وتصديرهم إلى دول الجوار السوداني (اليمن السعيد/الباكي مثالاً) لدعم فريقٍ له ارتباطات إقليمية ودولية ضد فريق آخر يتمتع بذات الإرتباطات على مستوى الإقليم والعالم أجمع، يجعل بلادنا عرضة لردَّات فعل إقليمية ودولية غير مواتية نحن في غنىَّ عنها. وما دعم النظام الساقط لحماس بغائبٍ عن الأذهان؛ حيث كانت ردة فعل اسرائيل القيام بضرب التصنيع الحربي، كما قامت حليفتها أمريكا من قبل بضرب مصنع الشفاء حمايةً لها ولحلفائها. وعلينا أن نتذكر بأن بورتسودان، وسواكن، وكسلا والقضارف وحتي ود مدني كلها في مرمى الصواريخ البالِستية (لإيران/روسيا) للزعيم الحوثي.

عليه كان المنوط بالدول العربية التي تدعم هذا السفاح الهمجي ليكون على رأس السلطة في السودان ليمد السعودية بالمقاتلين؛ كان عليها أن تُمَرْكِز قواته في جيزان، أو نجران أو في الشرقية، أو في أكثر الدول المصدِّرة لقواته (كتشاد)؛ لا سيما وأنَّ عدد السودانيين بين قوات هذا المجرم لا يتجاوز الـ 20%.

5- إيجاد مرتزقة حميدتي ومليشيات الإخوانويين بواسطة النظام الساقط كوحدات عسكرية موازية للجيش السوداني، ووجود العديد من الحركات المسلحة المقابلة لهذه المليشيات، وعدم امتناع لجنة برهان الأمنية الخائنة للوطن والمؤسسة العسكرية السودانية عن الإرتماء في أحضان الدول الأجنبية التي تستهدف تفتيت الجيش السوداني، بالإضافة لرغبة لجنة البرهان الأمنية الذاتية لإخصاء قدرات المؤسسة العسكرية السودانية وتجريدها من السلاح لتبقي هي في الحكم؛ كلُّ ذلك يجعل البلد في حالة إنكشاف أمني وعسكري في غاية الخطورة.

وكنتيجة لذلك فإنَّ الجيش السوداني الآن عاجزٌ عن مواجهة الإحتلال الإحلالي التشادي الذي يجتاح البلد الآن بالتواطؤ الإقليمي الخليجي، وهو أعجز ما يكون عن مقاومة وصد أيِّ مواجهات عدوانية تأتيه من الخارج؛ وما أكثر المتربصين بنا الآن. كما أنَّ المرتزقة والمليشيات والحركات المسلحة لا تملك عقيدة قتالية وطنية/قومية لتقف في وجه عدوان خارجي إذا، لا قدر الله، تعرض الوطن لذلك العدوان؛ ناهيك عن أنَّ بعض هذه المجموعات المسلحة لها نزوع انفصالي.

6- الوطن يُوشِك أن ينزلق إلى وضعية الإحتراب الداخلي، وذلك لأنَّ لجنة البرهان الأمنية في أضعف حالاتها الآن. ويحدث ذلك بسبب غضب جُل الشعب السوداني عليها لخيانتها له ولثورته الباسلة ولقتل ثواره بدمٍ بارد؛ ولأنَّها كانت أُلْعوبة في يد عناصر النظام الساقط، التي كانت تمثل غالبية هذه اللجنة في بادئ الأمر (خاصة حينما حيَّدتْ هذه العناصر الجيش بمكرها بعد 07/ ابريل 2019 حينما عجزت عن فض الاعتصام في محاولتها الأولي في ذلك التاريخ)؛ ولكونها أُلعوبة في يد قوات حميدتي الآن (التي تُمعن في تحييد الجيش السوداني حالياً طمعاً في أن يكون حميدتي رئيساً للسودان)؛ ولعجزها عن خلق ولاء لها داخل المؤسسة العسكرية بعد أن حيدتها وأخصت قوتها وسمحت لأصحاب الأطماع أن يفعلوا بها الأفاعيل.

ويزيد من بِلَّةِ طينةِ هذا الوضع القابل للإنفجار في أيِّ لحظة، لفظُ لجنة البرهان الأمنية للحركات المسلحة التي جنحتْ جنوحاً حقيقياً للسلم (كالحركة الشعبية – شمال) وإجبارها توجُّساً أن تكون قسراً في خانة الحرب. وما أعظمَ رِقَّةَ دِينِ المتُديِّن الدَّعيِّ حينما يُصادم فِعلُهُ آيَ اللهِ عزَّ وجلَّ القائل: “وإنْ جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنَّه هو السميع العليم (61) وإن يُريدوا أن يخدعوك فإنَّ حسبك الله هو الذي أيَّدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّفَ بينهم إنَّه عزيزٌ حكيم (63)” (الأنفال).

وعلى أيِّ حال، فالمشهد الآن يستوي على جوديِّ التناقض المزمن بين ظهرانَيْ لجنة أمنية تكاد تكون قاب قوسين أو أدنى من المحكمة الجنائية الدولية بسبب اعترافها باقتراف مجزرة 03/ يونيو 2019، وبسبب أنَّها تشعر بتململ أكثر من 85% من القوات الوسيطة في الجيش السوداني (رغم تحييدها ومحاولة إلباسها جُرم المجزرة) المناصرة لثورة الشباب السلمية ومعها العديد من الحركات المسلحة، ولأنَّها تخشى مليشيات النظام السابق التي تطمع في إعادة الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم تحت قيادة السفاح قوش، ولحقيقة أنَّها تخادن (تحت تهديد السلاح) مرتزقة السفاح حميدتى التي فعليَّاً تُمارسُ احتلالاً احلاليَّاً شاخصاً للعيان؛ فلا عاصم في الغدِ القريبِ لأحدٍ من الفوضى إلاَّ من رُحِم.

7- الحقيقة التي لا لُبسَ فيها (وأنا هنا أُكرِّر) هي أنَّ كلَّ مليشيات النظام الساقط ومعها مرتزقة حميدتى، لا تستطيع أن تقاتل جيشاً نظامياً محترفاً كالجيش السوداني، مهما أُوتيت من عُدةٍ وعتاد؛ ولا تستطيع حتى مجرد استفزازه لأنَّها تعرف ردَّة فعله التي جَرَّبَتْها في بورسودان وغيرها من المدن من قبل. وعليه فهناك ثلاثة سيناريوهات أمام لجنة البرهان الأمنية:-

أ- إنْ أجهضت لجنة البرهان الأمنية ثورة الشباب السلمية وسرحت مناصريها داخل الجيش السوداني كما يجري الأمر بالتجزئة الآن تلبيةً لرغبة حلف “السعودية – الإمارات – مصر” في أن يعتلي عرش الدولة السودانية الحميرلاى التشادي محمد حمدان آل دقلو، وبالتالي يقضي فيما بعد على الإخوانويين السودانيين وغيرهم مِمَّن استجار بهم من إخوانويىَّ دول الجوار، فإنَّ ذلك سيكون من سابع المستحيلات.

وذلك ببساطة لأنَّ الأجهزة الأمنية التي صنعت حميدتي ومعها مليشيات النظام الساقط تعرف أنَّ قواته بلا قدرات؛ خاصة عند المواجهات، وتعي أنَّه مجرد مِنطادٍ عظيم ملئٍ بالهواء الساخن، وتعرف أن المرتزقة الذين حوله ليست لهم عقيدة قتالية ولا يرتبط قتالهم للآخرين بموضوع الوطن والوطنية ولا بالمسائل العقدية، وأنَّ هدفهم وربَّهم هو المال فقط.

وبالتالي فإنَّ أىَّ مواجهة بين فلول النظام الساقط ومرتزقة حميدتي؛ على ما تفرزه من بشاعة، سيكون الخاسر فيها حميدتي لا محالة. بل حتى إنْ أقدمت هذه الدوائر الأمنية ومليشيات النظام السابق فقط على اغتيال حميدتي وأفراد عائلته (بالطرق التي تعرفها)، فإنَّ أمرَ قواته سينتهي ويتلاشى للأبد. والتي لن يكون أمامها يومئذ سوى الهرب أو التسليم والذوبان في ذات الأجهزة الأمنية والمليشيوية.

ب- إذا اختارت لجنة البرهان الأمنية أنْ تصحح أخطاءها الفادحة وتنحاز للشعب السوداني وثورته العظيمة من جديد، وبالتالي تنحاز للبواسل من أفراد جيشها الذين يُعانون كما يُعاني شعب السودان (وهذا ألْيَق بهم من غيره)، وبذلك تنتصر للوطن في مواجهة أطماع الأجانب؛ مما يعني أن يُمكَّنَ الجيشُ السودانيُّ من أسلحته في مواجهة فلول النظام المسنودين بقطر وحلفائها، ومرتزقة حميدتي المسنودين بتشاد والسعودية وحلفائها؛ فإنَّ الانتصار سيكون حليفها بإذن الله (لما للقوات المسلحة السودانية من قدرات قتالية احترافية) وسيسلم الوطن والمواطن.

وبالتالي إزاء سيطرة الجيش على زمام الأمور، فأنَّ كلا القوتين من فلول النظام ومرتزقة حميدتي ستلجأن لمساندة الثورة راغمتينِ ولو مؤقتاً وظاهرياً (إن كانتا تستبطنان مآرباً أخرى). ولعمري ذلك ما أبداه حميدتي ( حين قال أنَّه مع الثورة) وفلول النظام الساقط (التي لاذت بالصمت والاستسلام) في بادئ الأمر وقبل خيانة لجنة البرهان الأمنية لثورة شعب السودان السلمية وشرفاء القوات المسلحة.

وأقول ما أقول، وأنَّ هذه الخطوة تحتاج إلى قرارات شجاعة من لجنة البرهان الأمنية من أجل أصحاب الدم من المدنيين والعسكريين الذين ماتوا منذ بداية الثورة، وتحتاج إلى قرارات أكثر شجاعة في مواجهة كوادر الجيش الوسيطة التي تجرَّعت العديد من الإهانات؛ كما أنَّها تحتاج إلى طاقة غفران عظيمة للغاية من قِبَل أسر الشهداء والمفقودين والجرحى من أجل عيون وطن مُعافى؛ كتلك التي أبداها الزعيم نيلسون مانديلا حينما نُصِّبَ رئيساً لجنوب أفريقيا.

ت- في المقابل قد تختار لجنة البرهان الأمنية الاستمرار في تحييد الجيش وثورة الثوار تنفيذاً لرغبات الأجنبي/العربي، والتمادي في الاستقواء بمرتزقة حميدتي وفلول النظام الساقط وحاضنتيهما كما هو شاخص أمام أعيننا الآن (ربما كان ذلك تحت التهديد كما تشي بذلك الاستقالات التي قُدِّمت وسُحِبَت). ولكن في هذا السيناريو لن يسلم الوطن ولن يسلم المواطن ولن يسلم جيش السودان.

وفي الحقيقة سيشتدُّ الصراع على السلطة ويحتدم بين الثوار الذين يحلُمون بولادة وطنٍ جديدٍ ضحُّوا من أجله بأنفس ما يملكون وما زالوا على ذات الاستعداد لتقديم المزيد ومن خلفِهِم شرفاء جيشِهِم، وبين فلول الإنقاذ التي تريد أن تثأر لنظامها الساقط (كما تجلَّى ذلك في حقدهم على الثوار الذين أسقطوا نظامهم وقتلهم لهم بدمٍ بارد في الثالث من يونيه 2019)، وبين قوات الجنجويد التي يسيل لُعابُ قائدِها إلى كرسيِّ الحكم (كما ظهر ذلك في تشفي مرتزقته من الثوار بقتلهم وسحلهم وحرقهم ورميهم في النيل، لكونهم قد أعاقوا وصوله السلس لهذا الهدف).

وستظل فداحة هذا الصراع، خاصةً بين الكتل الإجتماعية التي تحمل السلاح، يقع أثرها على الثورة والثوار السلميَيْن، طالما ظلَّ الجيشُ مسجوراً في الثكنات العسكرية ومُحَيَّداً ومنزوعَ السلاح؛ والعكسُ صحيح. ولكن في اللحظة التي يتم فيها تسريح الجيش السوداني تلبية لرغبات حلف الشر المستطير من بني يعروب، فإنَّ قوات حميدتي وقوات فلول النظام الساقط سيواجهان بعضهما البعض (وكما قلنا بعاليه فالخاسر في معركةٍ كهذه هى قوات حميدتي بلا أدنى شك).

وأيَّاً كان المنتصر سيضيع معه المواطن ومفهوم الوطن والمواطنة وسيتبخَّر مفهوم الجيش القومي. وذلك لارتباط دولة الأخوان المسلمين الكبرى ودولة الجنجويد بمفهومٍ للدولة عبر – قطري. ووقتها سيجد الفرد السوداني نفسه واقفاً على أرضٍ لا يملكها، ويعمل قُناً لجنسيات لم يألف سحناتِها، وستخاطبه ألْسُنٌ لم يسمع لغاتِها من قبل.

8- السيناريو في الفقرة “7 – ت” هو السناريو الذي، للأسف، سيدعمه في السودان الفاعلون الدوليون المسئولون عن اجتراح “الحروب الرأسمالية” داخل نموذج التطور الرأسمالي (تناقص أرباح/كساد – حرب – تسوية اقتصادية جبرية – ثم تناقص أرباح/كساد من ثانِ – ثم حرب من جديد؛ وهكذا دواليك) ليعالجوا به ظاهرة الكساد وميل الأرباح للتناقص وإن تظاهروا بغير ذلك.

والحرب الرئيسة التي يستطردها النموذج الرأسمالي أعلاه هذه المرة (والمتماهية فى المذهبية لتجرَّ معها أكبر عدد من الدول لا سيما السودان) هى حرب معظم دول التعاون الخليجى (بقيادة السعودية) ضد إيران. وهذه هى الحرب الوحيدة التى من الممكن أن تخرج النظام الرأسمالى من آثار الكساد الاقتصادى المُطْبِقة منذ العام 2008. وهىَ حربٌ إن نشبت، فسوف تتلاشى معها العديد من دول الخليج التي لا يتجاوز عدد سُكانها الـ 500 ألف إلى مليون نسمة، ولعلَّ هذا ما يُفسِّر اصرار دول الخليج على زج السودان في أتون هذه الحرب اللئيمة.

وعلى أيِّ حال، فإنَّ النموذج أعلاه وبوتيرته تلك، ليس نموذجاً أكاديمياً على الإطلاق، بل إنَّنا استقيناه من حيثيات التاريخً، وقد وجدنا أنَّه يعمل بهذه الكيفية منذ الحروب الدينية في القرن الخامس عشر. ففي نحو قرنٍ ونيف من الآن كان هناك: كساد حاد قبل الحرب العالمية الأولى تحدث عنه عالما الاقتصاد السياسي أوبراين ووليامز 2007 – ثم أعقب ذلك الكساد الحرب العالمية الأولى 1914 – ثم أعقبت تلك الحرب تسوية/معاهدة فراساى وولادة عصبة الأمم 1919 – ثم جاء بعد ذلك ما يُعرف بالكساد الكبير 1929 – ثم قامت الحرب العالمية الثانية 1939 – ثم أعقبتها تسوية بريتون وودس/وولادة الأمم المتحدة 1945.

ومنذ بريتون وودس، فإنَّ النظام الرأسمالى قد مرَّ بعدة مراحل من الكساد (آخرها كساد 2008، والذى مازالت آثاره مستمرةً إلى يومِ النَّاس هذا)، أدَّتْ إلى الحروب بالوكالة (الحرب الكورية، حرب فياتنام، الحرب العراقية الإيرانية)، والحروب الذكية/الداخلية (كما فى السودان، الصومال، أفغانستان، حروب الربيع العربى). وهكذا يعمل نظام التطور الرأسمالى فى إطار حلقتِهِ المُفرغة: الكساد – الحرب – التسوية – الكساد – الحرب من جديد.

والمحصلة بمقتضى هذا النموذج هو ألاَّ فكاك من الحرب في طريق التطور الرأسمالي، والعاقل من الحكام فى دول العالم الثالث ((if any، هو من يتجاوزها بالدلوف إلى التسوية (الظاهرة في النموذج أعلاه) ليُجنِّب شعبه ويلات الحروب (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله).

ويا تُرى هل ستكون لجنة البرهان الأمنية أداةَ إطفاءٍ لهذه الحروب الرأسمالية لتجنيب شعب السودان المزيد من القتل، أم أداةَ اشعالٍ لها (للمزيد: راجع مقالنا عن حروب رأس المال).

معادلات الخروج الأمن من هذا المأزق

بالنظر للحقائق والحيثيات المذكورة بعاليه فإنَّ مآلات الخروج الآمن من مأزق السودان الشاخص الآن تكمن في حقيقة السيناريو (ب) القاضي بانحياز لجنة البرهان الأمنية كليةً لثورة الشباب السلمية وتكوين الحكومة المدنية الصِّرفة بكلِّ أركانها (دولة الكفاية والعدل المبنية على تجانس الإقتصاد القومى وتوازنه وديمقراطيته واستدامته، دولة الدستور والقانون واستقلال القضاء واستقلال بقية السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية في شكلها المدنى ذي التمثيل العسكري المحدود، دولة المواطنة وحقوق الإنسان، دولة الديمقراطية وجميع الحريات العامة المنصوص عليها في المواثيق الدولية، دولة فصل الدين عن السياسة وجعله أعلى القيم في الفضاء المدني، دولة السلم الإجتماعي (الثقافة المدنية)، ودولة المؤسسات) والإهتمام الكامل بالجيش السوداني (والقوات النظامية الأخري) وإفساح المجال له ليضطلع بماهمه وحِرفتِهِ المعروفة في الدفاع عن السودان وأهله وحكومته المدنية.

هذا السيناريو يستمد شرعيته من أكبر القطاعات الإجتماعية في السودان (الشباب 63.2% من مجموع الشعب السوداني، سائر المهنيين السودانيين، قطاع المرأة السودانية، وشرفاء القوات النظامية وسائر الحركات المسلحة، وغيرهم). ولكي يكون هذا السيناريو مستداماً فلابد من معالجته من ثلاثة مستوياتٍ ضرورية لخلق إجماع سوداني حوله (Sudanese Consensus): رأي الأكاديميا العلمي حوله، الرأي المهني وقابلية العلمي أن يكون عملياً، والرأي السياسي حول هذا السيناريو.

وعلينا أن نقارن كل السيناريوهات المطروحة، وأيِّها الذي يناسب تطلعات سودان المستقبل (Sudan NextGen)، بعيداً عن العناد السياسي والتمترس المُخِل بقضايا الوطن والمواطن.

خاتمة

واللهِ لو أنَّ شيئاً واحداً يجب أن يجمع السودانيين المتفرقين والمتخاصمين والمتقاتلين علي قلبِ رجلٍ واحدٍ الآن (ولو مؤقتاً ثم يعودوا لما هم فيه)، فليكن هو القضاء على هذا السفاح التشادي الوقح الذي يتبختر بجهله في الساحة السودانية الآن (أنا وأخويَ على ابن عمِّي، وانا وابن عمِّي على الغريب).

حسين أحمد حسين،
مؤلف وباحث اقتصادي/اقتصاديات التنمية.
husseinabulhaj@hotmail.co.uk

قد يعجبك ايضا