تعويم الجنيه في البرد!! 26 فبراير، 2021

من الواضح أن قرار توحيد سعر الصرف أتخذ في وضع اقتصادي عصيب ودون جاهزية ، وتكاد تكون الطريقة التي نفذ بها تشابه لحد كبير ما جرى في مصر عند قرارها التعويم الأول الجنيه دون أن يتوفر في خزينة قاهرة المعز بضع دولارات تمكنها من مجابهة غول السوق المواز الذي سرعان ما أطاح بالجنيه المصري ليزداد الدولار 60%.
ولكن الذين تولوا أمر إنفاذ السياسات الاقتصادية في مصر إدركوا الخطر ووعوا الدرس عندما طبقوا سياسة التعويم في نسختها الثانية ، حيث وضعوا خطة اقتصادية (لم تخرش الموية) وعقدوا حوالي 126 اجتماعاً مع حلفائهم في دول الخليج فجمعوا 12 مليار دولار رفدوا بها إلى الخزينة واستطاعوا احداث الموازنة بين الجنيه المصري والعملات الاجنبية.
ليس تثبيطاً ولكن من باب النصح والوقوف على أسف الماضي قبل الخوض في تفاصيل الحاضر ، كم من الاجراءات التي اتخذتها حكومة الثورة ولم تفلح في كبح وإلجام العملات الصعبة ، فالأمر لم يتوقف بتشكيل لجنة اقتصادية عليا برئاسة حميدتي الذي قال (الدولار حنصارعوا يارمانا يارمينا) ولعل النتيجة لتحتاج لسبر أغوار ، (المهم) وصلت الاجراءات الى حد اعلان الطوارئ وتوعدات قادة القوات النظامية للمضاربين في حضور وزيرة المالية السابقة د.هبة محمد علي، وكل هذه التظاهرات انتهت دون جدوى وكسرت احلام السودانيين بعالم سعيد.
الحكومة ظلت تراهن في سياساتها الاقتصادية على الخارج ، صحيح أنها وصلت إلى طريق مسدود لأن اشتراط توحيد الصرف أصبح مرتبط حتى بتبرعات المانحين ، لكنها هذه المرة لم تراع حتى ما كتب في احد تقارير صندوق النقد والذي أشفق على الشعب السوداني بقوله في مامعناه إن الأوضاع في السودان لاتسمح بتعويم الجنيه وعلى الحكومة أن تكون رحيمة بشعبها ..لم تعر حكومة حمدوك ذلك اهتماما وتوكلت على الحي الذي لا يموت ودخلت متاهة المغامرة كما يقول المثل (يا غرق يا جيت حازما).
في كثير من الاحيان يمكن للصدف أن تلعب دوراً في نجاح بعض القرارات ، ومن محاسن الصدف أن هذا القرار بالرغم من قساوته ومآلاته الخطيرة ، بدأ يجد تجاوباً من المغتربين الذين تباروا في الاستجابة (لهاشتاغ) (#حول قروشك بالبنك) ، وكذلك وجد رد فعل الحكومة بالاستجابة الفورية للمواطنة التي اشتكت من تعامل موظف ببنك الخرطوم استحسانا واسعا حفز المغتربين على الاقبال بالتحويل عبر البنوك.
من المؤكد أن الفتاوى (الكيدية) التي أصدرها عبدالحي يوسف يوجه فيها المغتربين بعدم تحويل أموالهم لحكومة حمدوك (الكافر) أسهمت لحد كبير في عمل دعائي مجاني جعل نسبة التحويل تزداد.
حتى هذه اللحظة الأمور تحت السيطرة ولكن لابد من اعادة الترتيبات ووضع خطة عاجلة لاستقطاب الدعم للخزينة المركزية ورفدها بالعملات الصعبة ، وكذلك الزام الاجهزة الامنية بمتابعة السوق المواز والتنبؤ بما ستصير إليه الامور كل يوم فضلاً عن اصدار الاجراءات التي من شأنها تسهيل صرف التحويلات بالبنوك وزيارة واحدة تكفي يا(جبريل) ، إنها الفرصة الأخيرة ولو حدث فيها أي نوع من الاتكال واللامبالاة سيصبح عوم الجنيه ولو كان جزئيا في فصل الشتاء صعب وعندها سيزداد الطوفان.

قد يعجبك ايضا