سد “النهضة” يسبق “الحدود”.. والثلاثي الإفريقي بين سيناريوهين
26 مارس، 20210
الخرطوم/ عادل عبد الرحيم/ الأناضول
-عمر شعبان، محلل: إما ضربة استباقية من السودان ومصر للسد ولن تصل إلى حد الحرب أو ضغط دولي أكبر يعيد إثيوبيا إلى المفاوضات
-عمر الفاروق، صحفي: ملف سد “النهضة” أخطر من نزاع الحدود بين السودان وإثيوبيا.. لا حرب و”الوساطة الرباعية” ستزيد الضغط الدولي على أديس أبابا
يتزايد الوضع تأزما بشأن الحدود بين السودان وإثيوبيا، لاسيما وأن أديس أبابا تواجه أيضا تصعيدا من الخرطوم ومصر في ملف سد “النهضة”، الذي تقيمه على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.
وهو ما يجعل الأوضاع مرشحة لمزيد من الاحتقان، بحسب محللين، في ظل إصرار إثيوبي على ملء ثانٍ للسد بالمياه، يقابله تصعيد سوداني وغضب مصري.
والإثنين، وبمناسبة اليوم العالمي للمياه، عاد السودان ومصر إلى التذكير بخطورة الإجراء الأحادي بشأن ملء السد قبل التوصل إلى اتفاق ثلاثي.
وقال وزير الري والموارد المائية، المصري، محمد عبد العاطي، إن تأثير السد على مياه نهر النيل هو أحد التحديات الكبرى التي تواجه مصر حاليا، خاصة في ظل الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي، فيما يخص الملء والتشغيل، وما ينتج عنها من تداعيات سلبية ضخمة “لن تقبلها” القاهرة.
على الجانب السوداني، دعا وزير الري، ياسر عباس، أديس أبابا إلى القبول بالوساطة الرباعية (الاتحادان الإفريقي والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة) للوصول إلى اتفاق قانوني وعادل وملزم يلبي متطلبات دول السد.
أما الطرف الثالث، أديس أبابا، فتبدو عازمة على الشروع في الملء الثاني للسد، في يوليو/ تموز المقبل، بحسب تصريحات مسؤولين إثيوبيين، عادة ما تترافق مع حديث عن أهمية السد لتنمية إثيوبيا، وعدم نيتها الإضرار بالسودان ومصر.
والسبت، قال عضو فريق التفاوض الإثيوبي في ملف السد، السفير إبراهيم إدريس، إن فكرة الوساطة الرباعية هي “خدعة بهدف إطالة أمد الملء الثاني للسد”.
وخلال ندوة بمناسبة مرور عشر سنوات على بدء بناء السد، شدد وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، الأربعاء، على أن استكمال هذا المشروع هو “مسألة ضمان لسيادة البلاد”.
وهو حديث أثار حفيظة مصر، فاتهم رئيس وزرائها، مصطفى مدبولي، في اليوم التالي، إثيوبيا بـ”السعي لفرض الأمر الواقع، واتخاذ إجراءات أحادية دون مراعاة مصالح مصر والسودان”.
وفي 9 مارس/آذار الجاري، أعلنت أديس أبابا تمسكها بأن يقود الاتحاد الإفريقي منفردا الوساطة، معلنة رفضها لمقترح الوساطة الرباعية، الذي طرحته الخرطوم وأيدته القاهرة، في ظل تعثر مستمر للمفاوضات على مدار عشر سنوات.
ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي، توقفت المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي منذ أشهر، في ظل مطالبة سودانية بتغيير منهجية التفاوض مقابل تحفظ إثيوبي.
وتصر أديس أبابا على ملء الثاني للسد حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، فيما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي، حفاظا على حصتهما السنوية من مياه نهر النيل ومنشآتهما المائية.
** ضربة أو ضغوط
في ملف السد يوجد أكثر من سيناريو بين الدول الثلاث، بحسب عمر شعبان، محلل سياسي سوداني.
وقال شعبان للأناضول: “لا أستبعد أن يكون هناك سيناريو يقوم على تنفيذ ضربة استباقية (عسكرية تستهدف السد) من دولتي المصب (السودان ومصر)، إذا أصرت إثيوبيا على المضي في الملء الثاني بشكل أحادي”.
ورأى أنه “حتى لو حدثت ضربة استباقية، فلن تكون هناك حرب بين الدول الثلاث، لعدم قدرتها على خوض حرب في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن المجتمع الدولي لن يقبل بحرب في المنطقة تكون نتائجها كارثية”.
كما يوجد سيناريو آخر، “فربما ينجح ضغط دولي بشكل أكبر على إثيوبيا حتى ترضخ وتعود إلى التفاوض وتتوقف عن خطوة الملء الأحادي للسد دون موافقة السودان ومصر”، وفق شعبان.
ورأى أن اقتراح السودان الوساطة الرباعية هو “نتاج لعدم قيام المجتمع الدولي بدوره، لذلك المقترح السوداني جاء لتحفيزه كي يشارك بدور أكثر فعالية”.
وتابع: “لاسيما وأنه حتى الآن لم تعلن أي شركة أو دولة عن وقف تمويلها للسد”. وتبلغ تكلفة بناء السد 4.8 مليارات دولار، وتعمل فيه شركات أوروبية وصينية وأمريكية.
** تصعيد حدودي
بموازاة ملف السد، واص رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان، خلال الأيام الماضية، استخدام لهجة تصعيدية تجاه إثيوبيا بشأن النزاع الحدودي بينهما.
وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت الخرطوم أنها استعادت منطقة “الفشقة” الحدودية كاملة (شرق) من “مليشيات إثيوبية” كانت تسيطر عليها، بينما تتهم أديس أبابا الجيش السوداني بالاستيلاء على أراضٍ إثيوبية، وهو ما ينفيه السودان.
وخلال مخاطبته الوحدات العسكرية في منطقة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، الأربعاء، أعلن البرهان، القائد العام للجيش، عن شرطين للتفاوض مع إثيوبيا، وهما أن تعترف بسودانية الأراضي محل النزاع، وأن توافق على وضع العلامات الحدودية.
ويطالب السودان بوضع العلامات بناء على اتفاقية 15 مايو/ أيار 1902، التي وقعت بين إثيوبيا وبريطانيا (نيابة عن السودان)، فيما ترفض أديس أبابا الاعتراف بتلك الاتفاقية، وتطالب بالحوار لحسم الخلافات.
ولدى مخاطبته قوات الجيش في المنطقة العسكرية بمدينة بحري شمالي العاصمة، شدد البرهان، الأحد، على أن القوات السودانية انفتحت على أراضيها شرقي البلاد، ولن تتراجع، متهما أديس أبابا بنقض العهود.
* حرب مستبعدة
وفق عمر الفاروق، صحفي سوداني مهتم بالشأن الإفريقي، فإن “الحدود لن تكون سببا في حرب بين السودان وإثيوبيا لاعتبارات كثيرة، بينها أنها ليست القضية المهمة حاليا لأي من الطرفين، ولأن قضية السد هي الرئيسية”.
وتابع الفاروق للأناضول: “كما أن الأزمات الداخلية في البلدين والأوضاع الإقليمية تجعل فكرة الحرب غير واردة، رغم التصعيد الواضح في التصريحات من مسؤولي البلدين”.
ورجح أن “الحدود ستظل متوترة تشهد اشتباكات متقطعة لفترة من الزمن، ولن تصل إلى الحرب”.
واعتبر الفاروق أن الأزمة الرئيسية حاليا تتمثل في الخلاف بشأن السد، وهو يشكل التهديد الأكبر للسودان ومصر .
ورجح أن ينجح المسار السياسي في طي الخلاف بشأن السد، معتبرا أن “تحركات السودان بشأن مقترح الوساطة الرباعية سيدفع المجتمع الدولي لبذل الكثير من الجهد حتى لا تتأزم الأمور بين الدول الثلاث”.
ورأى أن “إثيوبيا في موقف غير جيد مع الغرب حاليا، عقب أحداث إقليم تيغراي، ما يجعلها عرضة للضغوطات من المجتمع الدولي، وهو بالتأكيد قادر على فرض شروطه عليها لتقبل باستئناف التفاوض”.
وللمرة الأولى، اعترف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الثلاثاء، بوقوع فظائع بحق المدنيين في تيغراي، أثناء النزاع المسلح الذي اندلع في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بين الجيش الفيدرالي وقوات “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.
وفي أكثر من مناسبة، وصف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ما يجري في تيغراي بأنه “تطهير عرقي”، داعيا إلى تحقيق دولي.
وأضاف أن واشنطن “أُطلعت على تقارير موثوقة عن انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع المستمرة التي تُرتكب في تيغراي”.
بينما رفضت الحكومة الإثيوبية حديث بلينكن عن “التطهير العرقي”، ووصفته بأنه “حكم زائف لا يستند إلى دليل”.