الخرطوم: اسماء السهيلي كشف رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك عن تفاصيل مبادرته التي أطلقها امس الثلاثاء بهدف إيجاد مخرج من الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال الديمقراطي في بلاده.. وتتضمن المبادرة 7محاور، هي: إصلاح القطاع الأمني والعسكري، والعدالة، والاقتصاد، والسلام، وتفكيك نظام “30 يونيو” (نظام عمر البشير)، ومحاربة الفساد، والسياسة الخارجية والسيادة الوطنية، والمجلس التشريعي الانتقالي.. من أجل التوافق على مشروع وطني يحظى بإجماع كاف ويحقق رغبة السودانيين في قيام حكم مدني ديمقراطي يحقق المواطنة المتساوية، مؤكدا أن تجربة الانتقال الحالية تختلف عن تجارب اكتوبر وابريل ، وأن ثورة ديسمبر المجيدة منحت فرصة لتحقيق هذا المشروع الذي رسم ملامحه شعار الثورة حرية، سلام وعدالة. تحديات عملية الانتقال وأقر دكتور حمدوك في مؤتمر صحفي أطلق من خلاله ملامح المبادرة، اقر بوجود تحديات تواجه عملية الانتقال الحالي بالرغم مآتم خلال عامين من إنجاز للسلام في مرحلته الأولى وإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والإصلاحات القانونية والسياسية والانفتاح الاقتصادي، حيث تتمثل تلك التحديات في الوضع الاقتصادي و الترتيبات الأمنية والعدالة والسيادة الوطنية. وحذر حمدوك مما وصفه بمظهر لأزمة أعمق من تلك التحديات مالم تتم معالجتها وهي ظاهرة التشظي بين مكونات مؤسسات الانتقال، مشيرا إلى التشظي بين المدنيين وفي وسط تجمع المهنيين والتجاذب وتحديات الشراكة بين العسكريين والمدنيين، وأيضا التشظي بين العسكريين، كما أشار إلى تعدد مراكز اتخاذ القرار خاصة في السياسة الخارجية الأمر الذي يهدد السيادة الوطنية للبلاد وقال حمدوك:”إن الوعي بخطورة الموقف يجعلنا نتعامل بجدية وصرامة لحماية الانتقال وإن التحدي الآن هو أن يكون السودان أو لا يكون”. تسوية سياسية وطرح رئيس الوزراء من خلال المبادرة بمقترح لتسوية سياسية شاملة تشمل توحيد الجبهة المدنية والعسكريين وإيجاد رؤية مشتركة بينهم للتوجه نحو إنجاح المرحلة الانتقالية، على أن تقوم هذه التسوية على أسس أولها إصلاح القطاع الأمني والعسكري ومعالجة قضايا العدالة وتقوية قدرة الجهاز التنفيذي في مواجهة الضائقة المعيشية والاقتصادية والالتزام بتفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن ومحاربة الفساد وتكوين المجلس التشريعي لأهميته لتحصين الانتقال نفسه محددا شهرا واحدا لتشكيل ذلك المجلس. فرصة تاريخية وقال حمدوك في مطلع مبادرته : “تشهد بلادنا أزمة وطنية شاملة منذ استقلالها تمثلت في غياب المشروع الوطني الذي يحظى بإجماع كاف يحقق رغبة السودانيين والسودانيات في قيام حكم مدني ديمقراطي يحقق المواطنة المتساوية. نهض شعبنا من بين الركام وفجر ثورة ديسمبر المجيدة بأوسع مشاركة جماهيرية وباستجابة القوات النظامية لنداءات الشعب التواق للتغيير. منحت الثورة فرصة تاريخية لبلادنا بما طرحته من ملامح المشروع الوطني المنشود عبر شعار “حرية سلام وعدالة”. مع ذلك ورغم ما حققته الثورة في عامين من سلام وفك للعزلة الدولية وسير في طريق التحول الديمقراطي، إلا أن وطأة الماضي الثقيلة تركت انقسامات متعددة الأوجه (مدني مدني – مدني عسكري– عسكري عسكري) وقد تفاقمت هذه الاختلافات في الآونة الأخيرة وأصبحت تعبر عن الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حالياً”. مظاهر الأزمة العامة ومضى في القول: “على الرغم مما تحقق في الفترة الماضية من إنجاز السلام في مرحلته الأولى وفك العزلة الدولية وإزالة السودان من قائمة الإرهاب والإصلاحات القانونية والسياسية والانفتاح الاقتصادي إلا أن هنالك تحديات عديدة تعترض مسار الانتقال أهمها الوضع الاقتصادي والترتيبات الأمنية والعدالة والسيادة الوطنية والعلاقات الخارجية واستكمال السلام وتعدد مراكز القرار وتضاربها والوضع الأمني والتوترات الاجتماعية والفساد وتعثر إزالة التمكين وبناء المؤسسات. يأتي كل ذلك على خلفية الانقسامات داخل الكتلة الانتقالية وعدم وجود مركز موحد للقرار وغياب الأولويات والتصور المشترك للانتقال”. الوجه الجديد للأزمة ويضيف حمدوك “شهدت الفترة الماضية تصاعد الخلاف بين شركاء الفترة الانتقالية مما يشكل خطراً جدياً لا على الفترة الانتقالية فحسب بل على وجود السودان نفسه، وقد بذلت مجهودات في التواصل مع الأطراف المختلفة ونزع فتيل الأزمة، والتي أرى أنها لن تحل إلا في إطار تسوية سياسية شاملة تشمل توحيد الجبهة المدنية والعسكريين وإيجاد رؤية مشتركة بينهما للتوجه صوب إنجاح المرحلة الانتقالية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تنهض على قاعدة المواطنة المتساوية”. أسس التسوية وأفصح حمدوك عن اطروحاته للتسوية واجملها في: توحيد الكتلة الانتقالية وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال ـ الشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل وبما يعبر عن تنوع السودان الفريد ـ توحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة ـ الاتفاق على آلية موحدة للسياسة الخارجية وإنهاء التضارب الذي شهدته الفترة الماضية ـ الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام واستكماله كقضية رئيسية من قضايا الانتقال ـ تقوية توجه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي وحماية الفقراء والمستضعفين والتعاون مع المؤسسات الدولية ـ الالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن وبناء دولة مؤسسات وطنية مستقلةـ التزام جميع الأطراف فعلاً لا قولاً بالعمل من أجل الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني يقوم على أساس المواطنة المتساوية وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. الطريق إلى الأمام ومضى رئيس الوزراء في خطابه بالقول: “أتقدم إليكم بالمقترحات التالية كأساس لأي تسوية سياسية تبعد شبح الأزمة الحالية وتفتح الطريق نحو الانتقال الديمقراطي، أولاً: إصلاح القطاع الأمني والعسكري:قضية إصلاح القطاع الأمني والعسكري قضية وطنية شاملة لا تقتصر على العسكريين ويجب مشاركة المجتمع السياسي والمدني في رؤية الإصلاح، وهي قضية مفتاحية لكل قضايا الانتقال وبدونها لا يمكن حل قضايا الاقتصاد والعدالة الانتقالية وبناء الدولة المدنية وهو الأمر الذي يتطلب الآتي:القوات المسلحة السودانية يجب أن تكون الجيش الوطني الوحيد وذلك يتطلب إصلاحات هيكلية وعقيدة عسكرية جديدة وتمثيل التنوع السوداني في كافة مستوياتها وتنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاق جوبا لسلام السودان، ثانياً: قوات الدعم السريع ذات طبيعة خاصة وساهمت بدور إيجابي في التغيير ودمجها في القوات المسلحة يتطلب توافق بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع والحكومة للوصول لخارطة طريق متفق عليها تخاطب القضية بكل أبعادها، جهاز المخابرات العامة والشرطة السودانية يجب أن ينفذ ما ورد في الوثيقة الدستورية بشأنهما وأن يخضعا لعملية إصلاحات عميقة وجذرية وعاجلة- اضطلاع الجهاز التنفيذي بدور أكبر في إدارة جهاز المخابرات وتغيير كافة مدراء الإدارات بآخرين حادبين على نجاح المرحلة الانتقالية وإجراء إصلاحات جوهرية وسريعة في هيكله وطرق عمله ـ مراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وحصره في الصناعات ذات الطبيعة العسكرية ومراجعة الشركات التي انتقلت لحوزته عقب التغيير ودمج نشاطه الاقتصادي في الاقتصاد الوطني تحت ولاية المالية على المال العام ـ ابتعاد القوى السياسية عن العمل داخل القوات المسلحة وعدم استقطاب منسوبيها ـ تطوير صيغة مجلس الأمن والدفاع لمجلس للأمن القومي يمثل فيه المدنيون والعسكريون بصورة متوازنة ويختص بوضع استراتيجية الأمن القومي ومتابعة تنفيذها ـ قضية مستقبل القوات المسلحة وتنظيم علاقتها بالحياة السياسية الديمقراطية ستكون من قضايا المؤتمر الدستوري التي ستحسم قبل نهاية المرحلة الانتقالية. قضايا العدالة وقال حمدوك ان قضايا العدالة هي أحد أركان ثورة ديسمبر وشعاراتها وهي قضية ممتدة طوال امتداد سنوات نظام الإنقاذ الثلاثين وصولاً لجريمة فض الاعتصام ويجب حلها وفق الأسس التالية:عدم الإفلات من العقاب – إنصاف الضحايا وأسرهم- ضمان إصلاح المؤسسات العدلية والأمنية ـ تحقيق الأهداف التي من أجلها استشهد الآلاف وضمان عدم تكرار هذه الجرائم في المستقبل، ولتحقيق ذلك أرى تنفيذ الخطوات التالية:تكوين لجنة وطنية للعدالة الانتقالية تتولى مهمة الاتفاق على القانون والمفوضية وتصميم عملية شاملة بمشاركة ذوي الضحايا تضمن كشف الحقائق وإنصاف الضحايا والمصالحة الشاملة والإصلاح المؤسسي الذي يضمن عدم تكرار جرائم الماضي مجدداً ـ الفراغ من تحقيقات فض الاعتصام وتحديد المسؤولين جنائياً عنها والإعلان عن إجراءات عملية بشأنها تنصف الضحايا وتحقق أهداف الثورة وتضمن نجاح المرحلة الانتقالية ـ مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية ـ إصلاح الأجهزة العدلية وإكمال بنيانها المؤسسي وتفكيك التمكين بداخلها. قضايا الاقتصاد وراى عبدالله في مبادرته ان الموارد المنتجة داخلياً تكفي لحل الضائقة الاقتصادية لا سيما الذهب والثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية ويكمن الخطل الحقيقي في إدارتها وتحكم أجهزة الدولة في عائد صادرها وأن تتمكن وزارة المالية من فرض الولاية على المال العام، لذا وجب تكوين آلية من الجهاز التنفيذي والعسكريين ومراقبة الجهاز التشريعي لضمان تحقيق هذه المطلوبات. السلام وأكد ان السلام هو أهم مكتسبات الفترة الانتقالية لذا فإن تعزيز الإرادة السياسية لدى كافة الأطراف وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ الاتفاق وحل المعضلات التي تعترض تنفيذها واستكمال عملية السلام هو أولوية قصوى لجميع الأطراف. محاربة الفساد ويقول حمدوك انه دون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وتصفية ركائزه لا يمكن بناء نظام مدني ديمقراطي، لذا يجب التزام جميع الأطراف بتحقيق هذه المهمة داخل المؤسسات المدنية والعسكرية، كما أنه من المهم مراجعة تجربة لجنة إزالة التمكين وتطويرها نحو تحقيق أهدافها. كما أنه من الواجب العمل بصورة صارمة على محاربة الفساد بكافة أشكاله. السياسة الخارجية والسيادة الوطنية وراى حمدوك أن التجربة الماضية أكدت على عدم تجانس الجهات التي تعمل في ملفات السياسة الخارجية مما هدد السيادة الوطنية والمصالح العليا لبلادنا، وهذا الأمر يستدعي تشكيل آلية واحدة بين الأطراف المكونة للمرحلة الانتقالية للإشراف على ملف العلاقات الخارجية وتوحيد الرؤى وتمتين علاقاتنا الإقليمية والدولية لا سيما مع دول الجوار وعلى وجه أخص مع دولة جنوب السودان. المجلس التشريعي الانتقالي وشددت المبادرة على ضرورة ان تلتزم جميع الأطراف بتكوين المجلس التشريعي في مدة أقصاها شهر من الآن وبمشاركة جميع الأطراف باستثناء المؤتمر الوطني ومن أجرم وأفسد في حق البلاد. وحال الاتفاق على القضايا أعلاه يتم تكوين آلية مشتركة من كل الأطراف لمتابعة التنفيذ وتطوير الاتفاق بين مختلف مكونات الفترة الانتقالية.

فتحي الضَّو
faldaw@hotmail.com

بدر إلى ذهني سؤال عَرَضِي قبل الخوض في موضوع مَرَضِي، يقول السؤال: هل يمكن إلغاء وزارة الإعلام؟ وأعقبه سؤال آخر: ولماذا لا تُلغى وزارة الإعلام إذن؟ ولحقهما سؤال ثالث: وهل هناك ثمة جدوى من وزارة الإعلام أصلاً؟ بالطبع لن تتوقف التساؤلات عند هذا الحد، والحقيقة لو مضينا في هذا الدرب لما بلغنا لها أمداً. ولعل في ذلك دليل كافٍ على عمق الأزمة التي تعيشها الحكومة في إعلامها. وسواء – درت أو لم تدر – فقد أصبح يُشكل عبئاً ثقيلاً على الثورة، وصار بمثابة الضلع المُعوج الذي لن تصح معه الأبدان إلا بالكي، وهو آخر الدواء. لن نقول ما يقوله الشموليون بأن (الناس على دين إعلامهم) ولكن فقد بات واضحاً وجلياً لكل ذي بصرٍ وبصيرةٍ، أن الثورة وإن عَظُم شأنها، يمكن أن تؤخذ على حين غُرَّة من هذا الباب، بل قد يحدث ذلك والشمس في كبِد السماء!

من المعلوم أن معظم دول العالم الثالث تضج بحقائب وزارية للإعلام، في حين لا وجود لها في العالم الغربي، بل قد يرفع مواطنوه حواجب الدهشة والسخرية لمجرد سماع ذلك، ناهيك عن معايشة الظاهرة. ذلك لأن الاعلام في دول العالم المتقدم يتميز بالاستقلالية والمسؤولية والرقابة الذاتية طبقاً للقانون. وكلها صفات يفتقر لها إعلام دول العالم الثالث مما سلب هذا الإعلام صفته الأزلية التي تؤطره كسلطة رابعة، أي حذوك الكتف بالكتف مع السلطات الثلاث المعروفة: التنفيذية والتشريعية والقضائية. لكن تضاؤل هذا الدور المفترض أدى بالضرورة إلى تدجين الإعلام وجعله مطية للأنظمة الديكتاتورية توجهه كيفما اتفق!

المُلاحظ أن بعض الدول المتقدمة استعاضت عن وزارة الإعلام بتسمية هيئات بديلة، مثلاً في بريطانيا تُسمى (مكتب الاتصالات) وفي الولايات المتحدة الأمريكية تُسمى (اللجنة الفيدرالية للاتصالات) وفي فرنسا تُسمى (المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع) وهلمجرا. والمعروف إن الدعوة لإلغاء وزارات الإعلام ليست جديدة. لكنها تتزامن دوماً مع اندلاع الثورات الشعبية، ذلك لأن الثورات ترتبط في المخيلة والواقع بمناخ الحريات والتمرد على المألوف. لهذا حاولت بعض الدول العربية تبني مثل هذه الدعوات في اعقاب ما سُمي (ثورات الربيع العربي) ولكن سرعان ما انطفأ بريق الدعوة وخبأ وهجها نتيجة إجهاض الثورات نفسها وتوجيهها للنقيض باختلاق حروب أهلية عبثية!

وإذا ما عدنا إلى مضاربنا، نجد أن لوزارة الإعلام وجعاً أزلياً في الواقع السوداني. إذ تمَّ تصميمها لكي تكون دائماً في خط الدفاع الأول عن الأنظمة الديكتاتورية والتي رزئنا بثلاثٍ منها، استهلكت جل سنوات ما بعد الاستقلال. ليس هذا فحسب بل كانت في ظل فترات الأنظمة الديمقراطية – مع قصرها – مجرد سقط متاع. وبين هذين المدارين طافت عليها تسميات عدة.. فهي مرة وزارة الإرشاد القومي، وثانية وزارة الاستعلامات والعمل، وثالثة تُلحق بها الثقافة، ورابعة تكتفي بالإعلام وحده لا شريك له. أما المُضحك المُبكي فقد تمثل فيما قام به الديكتاتور المخلوع جعفر نميري والذي لم يجد في نفسه حرجاً من ضمها لوزارة الداخلية!

لعل السؤال الذي يتداعى أمامنا: ما موقع وزارة الثقافة والإعلام والسياحة التي بين ظهرانينا الآن في حكومة الثورة؟ لمَّا كان (الجواب يُعرف من عنوانه) كما يقول المثل الشعبي السائد، فإن الحال يُغني عن السؤال. لهذا سوف نحاول تسليط الضوء على الواقع لندع الوقائع تشرح نفسها، لربما أعان ذلك القارئ لكي يتوصل بنفسه للإجابة على التساؤلات أعلاه دون تعسف. ففي تقديري أن أكثر ما يبعث القلق في النفوس، هو موضوع العلاقة بين الدولة والمواطن، فيما لوحظ عدم معرفة المواطن بالكيفية التي تدار بها الدولة في كثير من الأحايين، وذلك لربما نتيجة نقص في الكفاءات أو المعلومات أو أشياء أُخر، على الرغم من أن هناك كثيرين حاولوا كسر هذا الطوق للوصول للحقيقة دون جدوى. وذلك إما نتيجة التجهيل المتوارث أو جراء كسل ذهني استحكم في العقول ونحن به راضون!

إن العلاقة الجدلية بين الدولة والمواطن هي التي حدت بنا لمحاولة معرفة الأسباب التي أدت إلى توقف قاطرة الثورة في (العقبة). فمنذ عامين أو يزيد ونحن ندور في ذات الحلقة المفرغة معرضين ثورة عظيمة – شهد لها العالم – للتواكل والتآكل والانهيار. ونعلم أن هناك كثيراً من المخلصين الذين أرَّقَهم هذا السؤال. وقد تتعدد الأسباب بما يقنع السامعين، وقد تكون تلك الأسباب نفسها انعكاس لصناعة الوهم، غير أني بت على قناعة كاملة في أن السبب الرئيس يكمن في كلمة واحدة: هي الإعلام. ذلك لأن الإعلام هو مرآة المجتمع – حكومة وشعباً – ولأن الإعلام بفروعه المعروفة.. المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية هو من يضع تلك العلاقة الجدلية في مسارها الصحيح. كما أن الإعلام هو المناط به بلورة فلسفة الثورة التي استبسل من أجلها الشهداء.

كذلك ثمة فهم مغلوط في نظر بعض الناس لمفهوم الحرية، والتي تُعد الضلع الأول في شعارات الثورة المجيدة (حرية، سلام، وعدالة) فيظنون أن ما يجري أمامنا من سيولة (إعلامية) تندرج تحت باب تلك الحرية المعنية، في حين أنها الفوضى عينها. وإنها بمقاييس التحضر تعد عملاً تخريبياً مُضراً بالمجتمع. ولا أدري إن كان الظنانون يعلمون أن ألمانيا التي تعد أحد معاقل الديمقراطية تحرم تأسيس حزب نازي؟ بل إن الأمر قد تعدى الحدود الجغرافية الألمانية ووصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تجرم قوانينها الفيدرالية استخدام (الصليب المعكوف) وهو رمز النازية. ومالنا نذهب بعيداً فالجارة إثيوبيا يمنع دستورها منعاً باتاً تأسيس حزب يعيد تسمية لجان مانغستو هيلاماريام (الدرق) فهل شرعية الثورة السودانية أقل قامة من هؤلاء؟

من المفارقات أن وزارات الإعلام مع – علاتها – ارتبطت ارتباطاً عضوياً بالمظهر وليس الجوهر. ولهذا أظن أن أدولف هتلر كان متسقاً مع ديكتاتوريته حينما سماها (وزارة الدعاية). فهي التي صنعت منه ديكتاتوراً بالرغم من أنه تبوأ رئاسة (حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني) عن طريق الانتخابات. ولعمري هذا ما يؤكد خطورة الإعلام. نحن نعلم أن أي وزارة تتطلب وزيراً مُلماً بشئونها طبقاً لمقاييس الحد الأدنى إلا وزارة الإعلام حيث يعني الإلمام هنا أن يكون الوزير مثقفاً موسوعياً له حضور في الثقافة العامة والأدب والسياسة والجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والرياضيات (من كل روضة عينة ومن كل عينة زهرة) أو كما قال شاعرنا الفذ محمد بشير عتيق.

بهذا المنظور ولأن الثورة العظيمة تستلزم قدراً من الشفافية، فليخرج للملأ شاهراً تبريره من اختار وزير الإعلام الحالي لهذا المنصب. ويقول للناس لماذا وكيف تمَّ اختياره؟ فلربما رأى فيه ما لم نستطع أن نراه. أما نحن فقد رأينا فيه العجب العجاب، ظهر مرتين خلال أربعة أشهر منذ تعيينه، وهذه الفترة كافية وفق بيروقراطية الخدمة المدنية لتقييم أدائه، لكن الإشكالية أنه ليس هناك أداءً يُذكر حتى يتم تقييمه. فبمقاييس المظهر رأيناه يتتأتأ ويتلكأ ويتكأكأ في بضع كلمات لا يغنين ولا يسمن من ظمأ وجوع. أما من حيث الجوهر فبيننا وبينه حساب فهذه ثورة لا يعرف عظمتها إلا من كابدها ومشى فيها على طريق الأشواك!

آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!!

قد يعجبك ايضا