جعفر عباس
أعدّ البرهان المشهد للانقلاب المشؤوم بافتعال أزمات كثيرة على رأسها الانفلات الأمني وإخفاء السلع الضرورية وتحريك وكيل أعماله في شرق السودان محمد الأمين ترك لإغلاق الميناء، ثم جمع المتردية والنطيحة في قاعة الصداقة لتشكيل حاضنة جديدة للحكومة وصولا الى اعتصام الموز الذي فتح له العسكر الطريق ليكون أمام القصر، وكان قبلها قد أوفد حميدتي وكباشي ليقوما بسلق اتفاق سلام “أي كلام”، ضمن به ولاء قيادات من الحركات المسلحة لمشروعه الانقلابي نظير حصولهم على المناصب التي يشتهونها، ويردد الببغاوات مقولات حميدتي والبرهان بأن حكومة حمدوك لم تكن تتألف من كفاءات في مخالفة للوثيقة الدستورية، بينما من طالب بإلغاء شرط الكفاءة لتقلد المناصب هم العسكر وكان ذلك بعد اتفاق جوبا لضمان ان يجد حلفاؤهم الجدد المناصب التي ظلوا يشتهونها (وعلينا ان نفترض ان البرهان وحميدتي وهجو وأردول وعسكوري هم نماذج الكفاءة).
ولأن البرهان ساذج سياسيا فقد فات عليه حساب الأمور جيدا قبل الاقدام على حماقة الانقلاب، وبعد ردود الفعل المحلية القوية (مواكب 30 أكتوبر وما بعدها) والرفض الدولي للانقلاب، بدأ الرجل في التخبط والسير في درب سادته الكيزان فصار يطلق زبانية جهاز الأمن ليطاردوا قيادات ثورة ديسمبر ونشطاء الأحياء، وتحول الرجل بمفرده الى لجنة تفكيك الثورة، فكان أن أنهى خدمات العشرات وأتى ببعض الأراجوزات هنا وهناك كي يديروا أمر البلاد، وبهذا أعاد البرهان السودان الى مشهد عام 1997 فها هو نادي باريس يعلن تعطيل إعفاء ديون السودان الخارجية، وها هي منح بمليارين ومائتي مليون دولار تتعرض للتجميد، وها هو المجلس الدولي لحقوق الانسان يصدر قرارا بإدانة انقلاب 25 أكتوبر، وها هو الكونغرس الأمريكي يعلن انه لا يعترف إلا بحمدوك رئيسا للحكومة ويتأهب لوضع قائمة لقيادات الانقلاب لفرض عقوبات عليها، ولم يعد للبرهان حبيب سوى إسرائيل ومصر، ثم تجلت العصامية في الغباء عندما سعى الانقلابيون لتصوير يوم 25 أكتوبر على أنه “ليلة القدر”، فقد شهد اليومان الماضيان توفر السلع الاستهلاكية وانخفاض أسعارها بنسب عالية، مما يعني انهم فتحوا خزائنهم التي كانوا يخبئون فيها تلك السلع بعد “ليلة الغدر”.
غاية البرهان اليوم هي تعقيد المشهد بحيث يخلق أمرا واقعا يقوي به موقعه التفاوضي، وبموازاة البلطجة في التعامل مع قوى الثورة بالاعتقال والتعذيب والإهانة فإنه يشجع المبادرات للتوصل الى تسوية مع القوى المدنية، ولكنه يريد تقسيم وتفتيت تلك القوى بأن يجعل من حمدوك ممثلها الأوحد، ويقوم “جداد” البرهان الالكتروني يوميا بفبركة تسريبات عن حل وشيك هنا واتفاق جزئي هناك، ولسوء حظه فإن مكتب حمدوك الرسمي على الانترنت لم يسقط في يد الانقلابيين، وقد اصدر أكثر من مرة نفيا قاطعا حتى عن مجرد إمكان قبول حمدوك بالتفاوض مع البرهانيين، وما زال حمدوك صامدا في موقفه بأن من يقبل او يرفض التفاوض هي قوى الثورة.
والموقف الثابت لفرسان الميدان (ولا أعني بذلك أي كيان موجود سلفا مثل قحت) هو لا شراكة مع العسكر ولا تفاوض الا بشرط التسليم التام.
الموضوع السابق
الموضوع التالي
قد يعجبك ايضا