محللون: “العنف المفرط” ضد المحتجين يقلص فرص نجاح الحوار السوداني المرتقب
يترقب السودانيون الأسبوع المقبل، انطلاق فعاليات حوار المائدة المستديرة الذي تسهله الآلية الثلاثية، لحل الأزمة السياسية، في العاصمة الخرطوم، وسط مخاوف من تعطل هذه الجهود بسبب التصعيد الجماهيري في الشارع ومواجهته بالقمع المفرط؛ مما يخلف قتلى وجرحى وسط المتظاهرين.
وحسب الآلية الثلاثية المكونة من ”البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد“، فإن العملية السياسية ستبدأ ما بين 10 إلى 12 مايو/أيار الجاري، بمشاركة كافة الأطراف السودانية، لأجل إيجاد حل لأزمة البلاد التي دخلت فيها منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ على خلفية قرارات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، بإعلان حالة الطوارئ وحل حكومة عبدالله حمدوك المدنية.
وفي وقت متزامن مع بداية العملية السياسية، أعلنت لجان المقاومة السودانية، جدولا جديدًا للتصعيد الجماهيري، المناهض للانقلاب المطالب باستعادة مسار الانتقال وتسليم السلطة كاملة لحكومة مدنية، وحددت 4 مواكب مركزية خلال شهر مايو/أيار الجاري، تبدأ الخميس المقبل.
وقالت في بيان مشترك، إن ”هدف الحراك الجماهيري تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، وتطبيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وإبعاد المنظومة العسكرية عن المشهد السياسي بشكلٍ كامل“.
وسبقت خطوة حوار المائدة المستديرة المنتظر، قرارات بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بالمعارضة السودانية، وسط تعهدات من رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بتهيئة مناخ العملية السياسية، بيد أن استخدام العنف ضد المتظاهرين لا يزال مستمرًا رغم أن وقفه كان من بين الاشتراطات التي دفعت بها المعارضة.
عقبات التسوية
وقتل الخميس متظاهر دهسا بسيارة شرطة خلال مشاركته في احتجاجات جديدة بالعاصمة الخرطوم، تطالب بالتحول المدني، بينما أصيب نحو 70 آخرين بحسب لجنة أطباء السودان؛ مما اعتبره محللون واحدة من عقبات التسوية المنتظرة، كما أنه يُظهر عدم رغبة السلطات الحاكمة في السير باتجاه التسوية عبر الحوار السياسي.
وقال المحلل السياسي، فائز السليك لـ ”إرم نيوز“، إن ”عدم الالتزام بتنفيذ شروط تهيئة مناخ الحوار يشير إلى أن المكون العسكري لا يرغب في أي حل أو تسوية لا يكون طرفا فيها، وفقا لما تطالب به بعض الأطراف وترفض مشاركة العسكريين في السلطة مرة أخرى“.
وأضاف السليك أن ”السلطات تستخدم العنف ضد المتظاهرين لعدة أسباب، أولها أن العنف مشروعها ولا تمتلك غيره أي حلول سياسية واقتصادية للخروج من حالة الاحتقان هذه، وهو ما أثبتته الشهور السابقة، بينما السبب الثاني هو أن خلايا الإسلاميين داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية ترفض أي تسوية من حيث المبدأ؛ لذلك تذهب في اتجاه العنف حتى وإن أدى للإطاحة بالبرهان وحميدتي“.
وأردف أن ”الإسلاميين من أنصار نظام البشير السابق يعتقدون أن البرهان يتخذهم ورقة للمناورة مع قوى التغيير ومع المجتمع الإقليمي، بينما حميدتي، فلا أمان له. أيضًا هنالك سبب آخر لاستمرار استخدام العنف ضد المتظاهرين؛ وهو رفع السقف التفاوضي باستخدام مزيد من القمع حتى يثبت العسكريون قوتهم التي يستندون عليها“.
وأكد السليك أن ”التسوية السياسية المنتظرة تواجه عقبات كبيرة جدا أهمها رفض قوى حية في الشارع مجرد الجلوس مع العسكريين، ومن جهة أخرى عدم رغبة العسكريين أنفسهم في أي تسوية تبعدهم عن المسرح السياسي، وفي هذه الحالة لن تكون مهمة الآلية الثلاثية يسيرة“.
نسف الحوار
خلال الأسابيع الماضية كثف الوسطاء جهودهم بالتواصل مع الأطراف السودانية لإنهاء الأزمة الماثلة قبل حلول يونيو/حزيران المقبل، وهو الموعد المحدد من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين للنظر بشأن المساعدات المالية المعلنة للسودان، بما فيها إعفاء الديون.
وكانت دول غربية اشترطت إنهاء سيطرة الجيش على السلطة، وإعادة مسار الانتقال من خلال تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية تقود البلاد إلى إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
وزار السودان، في أواخر شهر نيسان/أبريل المنصرم، 6 مبعوثين غربيين، اجتمعوا مع الأطراف السودانية وبحثوا معهم كيفية استعادة مسار الانتقال قبيل حلول الموعد المضروب لإعفاء ديون السودان والإفراج عن المساعدات المالية الدولية التي جمدت بعد إجراءات 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
إثر ذلك، رأى المحلل السياسي، خالد الفكي، أن ”التصعيد الجماهيري الذي بدأ عقب عيد الفطر وما يقابله من عنف مفرط بواسطة السلطات، لا يبشران بأن التسوية المنتظرة ستكتمل وفق ما هو مخطط لها“.
وقال الفكي لـ“إرم نيوز“، إن ”القمع المفرط ضد الاحتجاجات السلمية وتوالي سقوط القتلى سيعقد المشهد ويعيق جهود الوسطاء في دفع الأطراف السودانية إلى طاولة الحوار، خصوصًا وأن أطرافًا رئيسية ظلت ترفع شعارات لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية“.
وأشار الفكي إلى ”ضرورة التخفيف من حدة احتقان المشهد السياسي، من خلال تقديم التنازلات المطلوبة خصوصًا من جانب المكون العسكري الذي يجب أن يوقف العنف ضد المتظاهرين السلميين ويُطلق سراح المعتقلين من أعضاء لجان المقاومة والنشطاء، ورفع حالة الطوارئ، أعتقد أن العنف والقتل لن يؤديا إلا إلى عرقلة جهود الحل وقد ينسفان الحوار المنتظر، وعلى الوساطة أن تتدخل بما تستطيع للمساعدة في تهيئة الأجواء المواتية للعملية السياسية“.
من جهته وصف المحلل السياسي، الدكتور حبيب فضل المولى، ردة فعل السلطات العنيفة على الاحتجاجات السلمية، بأنها واحدة من أكبر الأخطاء التي ستدفع البلاد في طريق الانسداد السياسي، قائلا إن ”أكثر من 6 شهور من العنف والعنف المضاد والمحصلة انهيار شبه كامل للبلاد؛ لذلك يجب أن يتوقف القمع ويذهب الجميع باتجاه الحوار“.
وقال المولى لـ“إرم نيوز“، إنه ”كلما زاد قمع الاحتجاجات تصاعدت حدة المواكب في عملية أشبه بالثأر، كما أن القاعدة المعلومة تقول لكل فعل رد فعل، وأن البلاد في حاجة ماسة لتوافق وسلام وتفاهم مع المتظاهرين وليس قمعهم، كما أنه من الصعوبة بمكان أن يحدث توافق في خضم القمع والدماء“.
وتابع أن ”المطلوب الآن من الأطراف جميعا وقف التصعيد السياسي سواءً على صعيد الاحتجاجات أو التصدي لها بالقمع، يجب إتاحة الفرصة للعقلاء لوضع برنامج يعبر بالبلاد إلى بر الأمان؛ لأن تمسك كل طرف بموقفه يزيد من احتقان الأزمة السياسية ويعيد الوضع إلى المربع الأول“.
وعاد المحتجون السودانيون، الخميس، إلى الشوارع مرة أخرى ضمن سلسلة مظاهرات مستمرة منذ 6 شهور؛ لمناهضة الحكم العسكري وللمطالبة بتسليم السلطة لحكومة مدنية تقود البلاد إلى التحول الديمقراطي بنهاية الفترة الانتقالية.
وتعطل مسار الانتقال في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ بعد قرارات البرهان التي أعلن خلالها حالة الطوارئ وحل حكومة حمدوك، وذلك قبل أقل من شهر من موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين في الحكومة المنقلب عليها.