الصادق المهدي يعمق أزمة البشير: اصطفاف صريح مع الحراك الشعبي السوداني
01-26-2019 12:18 PM
الخرطوم: عبد الحميد عوض
لم يتردد رئيس حزب “الأمة” القومي السوداني المعارض، رئيس تحالف “نداء السودان”، الصادق المهدي، في إعلان تأييده ودعمه المطلق للحراك الشعبي المطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وتشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد إلى حين إجراء انتخابات جديدة، في وقت دخلت فيه الاحتجاجات السودانية، يوم الأربعاء الماضي، أسبوعها السادس، وسط مؤشرات على تصاعدها المستمر، إذ شملت، الخميس، أكثر من 50 موكباً في البلاد، حسب تجمع المهنيين المعارض، الدينامو المحرك لتلك الاحتجاجات.
دعم المهدي للاحتجاجات، يضع نظام البشير في موقف صعب، خصوصاً لما لحزب “الأمة” من ثقل على الأرض برز، أمس، في استجابة أنصار المهدي لخطابه بعد دقائق فقط من نهايته، فنزلوا إلى شوارع ضاحية ودنوباوي في مدينة أم درمان في حشود قُدرت بالآلاف للمطالبة برحيل النظام، ما يُعد مؤشراً إلى حجم الأثر الذي سيحدثه الخطاب على ميزان القوى لصالح الحراك الشعبي، الذي سيزيده المهدي زخماً. والأهم في خطاب المهدي، أمس، أنه وضع جدولاً متكاملاً للحراك الشعبي تتفق عليه القوى السياسية، يبدأ بالتوقيع على ميثاق للخلاص الوطني، وينتهي باعتصام شامل حتى تنحي البشير وحكومته، وهو مخطط جاء، كما يبدو، رداً على سؤال عن البديل المطروح في حال ترك البشير السلطة.
وطالب المهدي، الذي كان يخطب أمس الجمعة في المصلين في ضاحية ودنوباوي، وهي الخطبة الأولى له منذ بدء الحراك الشعبي، البشير بأن يتنحى بشكل متفاوض عليه وبطريقة تحقق المطالب الشعبية والسلام العادل الشامل والتحوّل الديمقراطي الكامل. وأشار إلى أن التأزم الذي يحيط بالسودان غير مسبوق، والفرصة التاريخية متاحة للبشير لكي يجنّب البلاد كافة المخاطر المتوقعة ويحقن الدماء بتنحيه.
وأعلن أن حزبه وقّع مع تجمع المهنيين وقوى أخرى على “ميثاق الحرية والتغيير”، كاشفاً عن “وضع تفاصيل للمطلوب في نص ميثاق للخلاص والحرية والمواطنة”، وأن “مشاورات تجري للاتفاق على النص وعرضه على مجموعات بلغت 20 مجموعة سياسية ومدنية ومطلبية، قبل الإعلان عنه في مؤتمر صحافي دولي”. وأوضح أنه “بعد التوقيع على الميثاق، سيتم انتداب 100 شخص يمثلون المجتمع السوداني بكل مكوناته لتقديم مطلب التنحي عبر البرلمان، ويعقب ذلك تسيير مواكب يشارك فيها، إضافة للشباب الثائر، رموز المجتمع وقادة تكويناته السياسية والمدنية لتقديم المطالب الشعبية في العاصمة والولايات وفي سفارات السودان في الخارج”، معلناً أنها ستكون مواكب حاشدة وصامتة ترفع شعارات ميثاق الخلاص، والحرية والمواطنة، على أن يحتشد الشعب في 100 موقع داخل السودان وخارجه.
وأكد أن أهم مطالب ميثاق الخلاص هي رحيل النظام، وأن تحل محله حكومة انتقالية قومية واجبها تحقيق السلام العادل والشامل، وكفالة حقوق الإنسان والحريات، وتطبيق برنامج اقتصادي إسعافي لرفع المعاناة عن الشعب، وتطبيق برامج الإصلاح البديلة، وعقد المؤتمر القومي الدستوري لكتابة دستور البلاد.
وأوضح رئيس حزب “الأمة” أن الاحتجاجات الأخيرة انطلقت من خارج العاصمة ثم عمت القُطر كله بما في ذلك الخرطوم، وأن الشباب فيها أظهروا حماسة وبسالة منقطعة النظير بعدما تحملوا مساوئ النظام في التعليم والبطالة، وحافظوا على قوة الإرادة وبسالة الوطنية، مشيراً إلى أن الثوار رفضوا الفتنة الإثنية التي عمّقها النظام. ولفت إلى أن الهبّة الشعبية هذه المرة أظهرت مثابرة استمرت حتى الآن أكثر من شهر، على الرغم من العنف الفعلي واللفظي، وما زالت العزيمة صامدة، مع التزام مثير بالسلمية في الغالب في وجه البطش الدموي، ما عرى النظام وأظهر نبل الثوار ووعيهم المتقدم، حسب قوله.
ودعا لتجنّب أي مظاهر للعنف المادي واللفظي، مستنكراً “أعمال القتل والعنف المفرط الذي مورس ضد الثوار، بتشجيع من فتاوى حكام باطلة وظالمة تبرر العنف والقتل واستخدام الرصاص الحي ضد مواطنين عزل”. وكشف أن مجمل عدد القتلى حتى الآن بلغ 50، والجرحى أضعاف ذلك، بينما بلغ عدد المسجونين المئات من المواطنين والمواطنات، مطالباً بإطلاق سراح المعتقلين، وبتشكيل لجنة تحقيق ذات مصداقية “لا لجنة الخصم والحكم”، لجنة تشرف عليها اللجنة الفنية التابعة للأمم المتحدة لتجري تحقيقاً في كل هذه الممارسات لمعرفة الحقائق ومساءلة الجناة.
وتطرق المهدي إلى انقلاب ضباط في الجيش السوداني، مدعومين من حزب “الجبهة الإسلامية”، على حكومته في العام 1989، قائلاً إن ذلك الانقلاب تأسس على خدعة، وإن نتائجه بعد 30 عاماً تتمثّل في فصل الجنوب، وإشعال الحروب الأهلية في جبهات جديدة في البلاد، وتطبيق نظام حزبي عازل للآخرين ومقوّض لمؤسسات الدولة الحديثة المدنية والنظامية، ولدولة الرعاية الاجتماعية. كما أشار إلى أن ذلك الانقلاب أحدث إخفاقاً اقتصادياً جوّع الناس، وأجبر عُشر السكان على العيش في معسكرات نزوح معتمدين على الإغاثات، وتسبّب في لجوء ربع السكان إلى خارج الوطن. وذهب المهدي أبعد من ذلك بقوله إن الانقلاب لوث الشعار الإسلامي بتطبيق عكس مقاصده في الكرامة والحرية والعدالة والمساواة والسلام، فضلاً عن تسبّبه في إلحاق الأذى البالغ بسمعة الوطن ملاحقاً بالعدالة الجنائية الدولية.
واللافت للنظر أن رئيس حزب “الأمة” وخلال خطبته، لم يتطرق لأي مقترحات تسوية مع الحكومة كما كان يفعل في السابق. فعلى الرغم من أنه المتضرر الأكبر من انقلاب البشير بإزاحته من السلطة وباعتقاله لأكثر من مرة وملاحقته وكوادر حزبه، إلا أنه ظل طوال الثلاثين سنة الماضية يتمسك بالحلول السلمية، وفي سبيل ذلك وقّع اتفاقاً باسم “نداء الوطن” مع الحكومة عام 1999، واتفاقاً آخر باسم “التراضي الوطني” عام 2008. كما أنه شارك في أعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير في يناير/ كانون الثاني 2014 قبل أن ينسحب بعد أشهر، إثر توتر العلاقة بينه وبين الحكومة التي وصلت إلى حد تحريك بلاغات جنائية ضده واحتجازه في سجن كوبر بسبب اتهامه بالإساءة لقوات الدعم السريع الموالية للحكومة. كما صدرت أوامر بالقبض عليه من نيابة أمن الدولة في العام الماضي، بعد تحالفه السياسي مع حركات متمردة تقول الحكومة إنها تسعى لتقويض النظام الدستوري وزعزعة الأمن والاستقرار، وهي الاتهامات التي غضّت السلطات الطرف عنها أخيراً بعد عودة المهدي إلى البلاد نهاية العام الماضي.
ومن المؤكد أن النظام سيخسر الكثير من دعم وتأييد زعيم حزب “الأمة” للحراك الشعبي، بعدما كان النظام قد حرص خلال الفترة الماضية على تحييده بكل السبل، بل بدا سعيداً في الأيام الأولى من الاحتجاجات لإعلان رئيس الحزب عدم نيّة “الأمة” المشاركة في تلك الاحتجاجات لأسباب تتعلق بعفويتها وعدم تنظيمها، وحاولت وسائل الإعلام الحكومية والمقربة منها الترويج لعبارات ساخرة نُسبت للمهدي في تعليقه على التظاهرات.
وبانضمام المهدي بشكل مباشر إلى الحراك الشعبي بل ربما قيادته في المرحلة المقبلة، تكون الحكومة قد خسرت حزباً مهماً، كما خسرت من قبل أحزاباً شريكة في الحكومة وفي الحوار الوطني، مثل مجموعة “جبهة التغيير”، التي قادها كل من نائب رئيس الوزراء السابق مبارك الفاضل، رئيس حزب “الإصلاح الآن” غازي صلاح الدين.
وعلى صعيد حزب “المؤتمر الشعبي”، الشريك الرئيسي في الحكومة، فقد بدأت قواعد الحزب بالتململ من استمراره في المشاركة الحكومية، وبدا هذا التململ واضحاً من خلال موقف القيادي في الحزب، كمال عمر، الذي طالب أكثر من مرة قيادة الحزب باتخاذ قرار منحاز للحراك الشعبي وإدانة أعمال العنف ضد المحتجين السلميين. كما وصل الغضب ببعض كوادر “المؤتمر الشعبي” إلى تقديم استقالات جماعية من الحزب ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، هناك أحزاب غير “المؤتمر الشعبي” لا تزال متمسكة بدعم البشير وحزب “المؤتمر الوطني” الحاكم، ومتمسكة كذلك بمشاركتها في الحكومة، مثل “الحزب الاتحادي الديمقراطي” بزعامة وزير الداخلية أحمد بلال عثمان، و”الاتحادي الأصل” بزعامة محمد عثمان الميرغني، و”حزب العدالة” بزعامة وزير الإعلام بشارة جمعة أرو، وحزب “التحرير والعدالة” بفصيليه، وأحزاب أخرى عديدة لديها تمثيل في الحكومة أو في البرلمان القومي والبرلمانات الولائية.
العربي الجديد