زفة رئيس الجهاز القضائي – وادمدني !!

سيف الدولة حمدناالله

طالعت مقطع مصور لإحتفال أقيم بمبنى الجهاز القضائي بوادمدني لسيِّدة جرى تعيينها لرئاسة القضاء الإقليمي بالولاية الوسطى، وهو في مُجمله شبيه بالزفّة التي كانت قد اُقيمت للنائب العام في العهد البائد من حيث زغاريد الإناث وتهليل الذكور من العاملين بالسلطة القضائية، وتزيد عليه – أي على زفة النائب العام – بمظاهر رسمية تُشبه إلى حد كبير ما يُنصب لإستقبال رؤساء الدول، من بينها أن وُضِع لرئيس القضاء الإقليمي الجديد البُساط الأحمر على عتبة باب مبنى الجهاز القضائي بإمتداد حتى مكتب معاليها، وعلى الجنب إصطف (قرقول) شرف من جنود الشرطة، رفعوا لها مثل التحية العسكرية التي تُؤدّى لقادة الجيوش، ثم عزفت موسيقى شرطة وادمدني (مارش) عسكري راقِص قبل أن تتوجه لمصافحة كبار القضاة والموظفين وكبار ضباط شرطة المحاكم الذين إصطفوا على مدخل المبنى في إستقبالها.

هذه سابقة – في تقاليد القضاء – لم تحدث حتى في العهد المظلم الذي سقط قبل شهور، وكنّا قد إستبشرنا مع بذوغ شمس الثورة أن ينتهي العهد الذي كان المسئول فيه حينما يدخل وزارته بعد تعيينه في المنصب تصحبه زفة موسيقى حسب الله، وكان ينتشي من تعيينه بحيث ينصُب بنفسه خيمة أمام منزله لتلقي التهاني والتبريكات من المريدين والأحباب، ويخطو إليها فوق الذبائح، وقد كان أن إستفتح هذا العهد الجديد المهندس عادل علي إبراهيم وزير الطاقة والتعدين، بمحو مثل هذا السوك حينما بدأ خطابه أمام العاملين بوزارته بإستنكاره الشديد لفعل من نصبوا لافتة كبيرة في مدخل الوزارة للترحيب به وتهنئته بثقة (الفريق البرهان) فيه بتعيينه في المنصب، وأمر الوزير أثناء الخطاب بالتحقيق في الموضوع وخصم قيمة اللافتة من رواتبهم.

المعروف أن القضاء مهنة تقاليد وأعراف يتوارثها القضاة جيلاً عن جيل، ففي كثير من الدول (من بينها بريطانيا) لا يزال القضاء يتمسّك بوضع الشعر المستعار المُجعّد المصنوع من شعر الخيل عالي التكلفة مع إرتداء (الروب) أثناء إنعقاد المحكمة، ويعود هذا التقليد إلى القرن الثامن عشر، وكان الهدف من ذلك في البداية تمويه معالم شخصية القاضي بغرض حمايته من إنتقام المجرمين الذين يقوم بمحاكمتهم، ثم أصبح يُنظر إليه فيما بعد بإعتباره يضفي نوعاً من الهيبة والوقار للقاضي.

الإحتفال بالوظيفة – على الأخص – في محيط القضاء ليس ظاهرة شكلية بحيث يُغض النظر عنها، ذلك أن للقضاء السوداني تقاليد وأعراف كان قد جرى إنتهاك كثير منها خلال حقبة الإنقاذ، من بينها حضور القضاة للإحتفالات والولائم الرسمية التي يقيمها الولاة والحُكّام، وتلبية (الإستدعاءات) التي توجه لهم من لجان الأمن القومية وبالولايات، وإنتداب القضاة للعمل في مناصب وزارية بالأقاليم لفترات قبل رجوعهم لممارسة سلطة القضاء، والمشاركة في حفلات الإستقبال والوداع التي تُقام لهم بمناسبة النقل من وإلى منطقة العمل، ومن ضروب ذلك، أنه كان قد أُقيم مهرجان شعبي كبير في وداع أحد رؤساء القضاء الإقليمي بإستاد وادمدني، قدمت له فيه الهدايا العينية والنقدية التي تم جمعها من موظفي الولاية، كما أُقيمت فيه مباراة ودية بين فريقين رياضيين محليين.

على رئيس القضاء أن يُوجِّه قضاته بوقف مثل هذا السلوك الذي ترفضه الفطرة السليمة بغض النظر عن تكلفة هذه المظاهر على الخزينة العامة.

سيف الدولة حمدناالله

قد يعجبك ايضا